محاربة الفوضى في مواقف السيارات بالدار البيضاء: قرار إداري حاسم ينهي فوضى الابتزاز والاحتلال غير المشروع للملك العام
محاربة الفوضى في مواقف السيارات بالدار البيضاء: قرار إداري حاسم ينهي فوضى الابتزاز والاحتلال غير المشروع للملك العام
شهدت مدينة الدار البيضاء، بتاريخ 31 ديسمبر 2024، إصدار مذكرة إدارية عاجلة تهدف إلى وضع حد نهائي للفوضى التي تشهدها مواقف السيارات والدراجات النارية. وقد جاء هذا القرار في إطار جهود جماعة الدار البيضاء الرامية إلى تعزيز النظام العام، وحماية المواطنين من الابتزاز الذي يمارسه بعض الأفراد المنتحلين لصفة "حراس السيارات". ويُعد هذا القرار بمثابة خطوة جريئة من السلطات المحلية نحو تنظيم المجال العمومي واستعادة هيبة القانون.
السياق العام لإصدار القرار
لطالما اشتكى سكان الدار البيضاء، كما هو الحال في العديد من المدن المغربية، من ظاهرة الحراس العشوائيين الذين يحتلون مساحات عامة مخصصة لركن السيارات والدراجات، ويفرضون رسوماً غير قانونية على المواطنين. هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، تحولت إلى مصدر إزعاج دائم، خاصة مع تصاعد حالات الابتزاز والتهديد المباشر لكل من يرفض الدفع.
ورغم وجود بعض التراخيص القانونية التي كانت تُمنح في السابق للحراس، فإن الوضع سرعان ما انحرف عن السيطرة، حيث استغل العديد من الأشخاص هذه التراخيص لممارسة أنشطة غير مشروعة، فيما لجأ آخرون إلى الاستيلاء على الفضاءات العامة دون أي سند قانوني.
مضمون القرار الإداري
أعلنت جماعة الدار البيضاء بشكل رسمي، في المذكرة الإدارية الصادرة يوم 31-12-2024، وقف منح وتجديد أي رخص تتعلق بحراسة السيارات والدراجات النارية. وبموجب هذا القرار، أصبح من غير القانوني لأي شخص أن يطالب المواطنين بأداء مبالغ مالية مقابل استخدام مواقف السيارات أو الدراجات في أي منطقة بالمدينة.
وتضمنت المذكرة تعليمات صارمة بضرورة متابعة أي مخالفات يتم تسجيلها على الفور، والتعامل بحزم مع الأشخاص الذين يخرقون القانون من خلال انتحال صفة حارس سيارات أو فرض رسوم غير قانونية. كما أكدت الجماعة أن مثل هذه التصرفات تُصنّف في إطار جرائم النصب وانتحال الصفة ومحاولة استخلاص أموال دون وجه حق، مما يُعرض مرتكبيها لعقوبات قانونية مشددة.
التبليغ عن المخالفات: واجب وطني لحماية النظام العام
شجعت المذكرة المواطنين على عدم الخضوع لأي نوع من الابتزاز أو الضغط الذي قد يمارسه بعض الأفراد تحت ذريعة حراسة السيارات، ودعتهم إلى الإبلاغ عن أي حالة من هذا القبيل فور وقوعها.
وقد خصصت السلطات أرقاماً هاتفية للتبليغ السريع عن هذه التجاوزات:
الرقم 19: خاص بالشرطة، ويُستخدم للتبليغ عن الحالات التي تقع داخل المدار الحضري.
الرقم 177: خاص بالدرك الملكي، ويُستخدم للإبلاغ عن المخالفات خارج المجال الحضري.
كما تم التأكيد على أن الاستجابة لهذه البلاغات ستكون فورية، بهدف ضبط المخالفين في حالة تلبس وإحالتهم على العدالة.
تداعيات القرار على الحراس العشوائيين
هذا القرار الإداري جاء ليُعيد النظام إلى فضاءات الركن في المدينة، إلا أنه في الوقت ذاته يُثير تساؤلات حول مصير مئات الحراس الذين كانوا يعتمدون على هذا النشاط كمصدر دخل. وبالرغم من أهمية تنظيم هذا القطاع، إلا أن السلطات مطالَبة بتوفير حلول بديلة لهؤلاء الأشخاص، إما من خلال إدماجهم في برامج تكوين مهني، أو مساعدتهم على إيجاد فرص عمل قانونية.
في المقابل، يُظهر القرار حزم السلطات في مواجهة ظاهرة استغلال الملك العام لتحقيق أرباح شخصية بطرق غير مشروعة، خاصة في ظل تقارير إعلامية واجتماعية تُشير إلى أن بعض هؤلاء الحراس حققوا ثروات طائلة على حساب المواطنين البسطاء، من خلال فرض رسوم مُبالغ فيها تصل أحيانًا إلى 20 درهماً أو أكثر عن كل عملية ركن.
الموقف القانوني والتأطير القضائي للقرار
من الناحية القانونية، يُعَد هذا القرار مستنداً إلى نصوص واضحة تُجرّم النصب والاحتيال، كما يُجرّم القانون المغربي انتحال الصفة واستغلال الملك العام دون إذن أو ترخيص. وتنص المادة 540 من القانون الجنائي المغربي على أن:
"يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية كل من قام بالنصب أو الاحتيال للحصول على أموال الغير بطرق احتيالية أو باستخدام وسائل تدليسية."
وتُعد هذه المادة أحد الأسس القانونية التي تدعم تنفيذ القرار الجديد، إلى جانب مواد أخرى تتعلق باستغلال الملك العام دون سند قانوني، والتي تصل عقوبتها إلى الحبس والغرامة.
ردود فعل المواطنين
لقي القرار ترحيباً واسعاً بين سكان الدار البيضاء، حيث عبّر العديد منهم عن ارتياحهم لهذه الخطوة التي طال انتظارها. وقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي نص المذكرة على نطاق واسع، مصحوبين بتعليقات داعمة ومُطالبة بتطبيقه بحزم لضمان فعاليته.
بالمقابل، دعا بعض النشطاء إلى ضرورة مراقبة تنفيذ القرار على أرض الواقع، مؤكدين أن تطبيق القانون يجب أن يكون صارماً، خصوصاً في المناطق التي تُعرف بكثرة الحراس العشوائيين مثل الأحياء الشعبية والأسواق.
التحديات المحتملة في التنفيذ
رغم الإشادة بالقرار، فإن تنفيذه قد يواجه بعض التحديات، أبرزها:
1. الانتشار الواسع للحراس العشوائيين: مما يتطلب مجهوداً ميدانياً كبيراً لضبطهم.
2. التواطؤ المحلي: في بعض الحالات، قد يجد المواطنون صعوبة في التبليغ بسبب العلاقات الشخصية أو الخوف من الانتقام.
3. تأخر الاستجابة الأمنية: وهو ما قد يُعيق سرعة التعامل مع الشكاوى.
ولتجاوز هذه التحديات، اقترحت بعض الفعاليات المدنية تعزيز دوريات المراقبة وتفعيل الكاميرات في الشوارع، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المدني في رصد الحالات وإبلاغ السلطات.
آفاق القرار وتأثيره المستقبلي
يُشكل هذا القرار الإداري خطوة إيجابية نحو تحقيق النظام العام واسترجاع الملك العمومي لصالح المواطنين. ومن المتوقع أن يُساهم في:
1. إعادة تنظيم الفضاءات العامة: وتحويلها إلى مساحات آمنة وخالية من مظاهر الفوضى والابتزاز.
2. تشجيع السياحة والاستثمار: إذ أن تحسين صورة المدينة سيُعزز من جاذبيتها السياحية والاقتصادية.
3. رفع مستوى الثقة في المؤسسات: من خلال إبراز فعالية القرارات الإدارية وقدرتها على التصدي للتجاوزات.
الخلاصة
قرار جماعة الدار البيضاء بمنع وتجديد رخص حراسة السيارات والدراجات يُعد خطوة جريئة وضرورية لوضع حد لظاهرة استغلال الملك العام. ومع الحزم في التنفيذ والتعاون المجتمعي، يمكن أن يتحول هذا القرار إلى نموذج يُحتذى به في باقي المدن المغربية، بما يُساهم في تعزيز سيادة القانون وحماية حقوق المواطنين.
ويبقى التحدي الأكبر هو ضمان التطبيق الفعلي لهذا القرار دون استثناءات، بما يضمن استفادة جميع المواطنين من الفضاء العمومي دون مضايقات أو ابتزاز.