هل يستطيع صانع المحتوى دون خبرة أو مستوى دراسي التأثير على الرأي العام؟



 هل يستطيع صانع المحتوى دون خبرة أو مستوى دراسي التأثير على الرأي العام؟


في عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيشه، أصبحت صناعة المحتوى جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث لم يعد الأمر يقتصر على الصحفيين المحترفين وأصحاب الشهادات العليا، بل أصبح أي شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا وكاميرا قادرًا على التأثير في الرأي العام. ومع هذا التحول الكبير، ظهر سؤال مهم: هل يستطيع صانع المحتوى الذي يفتقر إلى الخبرة والمستوى الدراسي ترجيح كفة جهة ضد جهة أخرى؟


صعود صناع المحتوى وتأثيرهم الكبير


قبل سنوات قليلة، كانت الصحافة والإعلام مهنًا لا يدخلها إلا المؤهلون من أصحاب الدبلومات والخبرات الميدانية. إلا أن التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي جعل صناعة المحتوى متاحة للجميع. اليوم، نشهد قصص إلهام عديدة لأشخاص عاديين أصبحوا نجوماً مؤثرين، بفضل قدرتهم على جذب الجمهور من خلال منصاتهم الرقمية.


المغاربة مثالاً:

في المغرب، كما هو الحال في دول أخرى، أصبحت منصات مثل "فيسبوك"، "إنستغرام"، و"يوتيوب" ساحات مفتوحة لصناع المحتوى. نجد البعض يقدم محتوى مفيدًا وتعليميًا، بينما يركز آخرون على محتوى ترفيهي أو مثير للجدل بهدف تحقيق مشاهدات عالية. الكلمات المفتاحية التي يبحث عنها الجمهور المغربي، مثل "قصص نجاح"، "فضائح المشاهير"، و"أخبار حصرية"، تعكس مدى انجذاب الناس نحو المواضيع المثيرة للفضول أو العاطفية.


ضعف الرقابة وتزايد التحديات


رغم الدور الكبير الذي يلعبه صانعو المحتوى، إلا أن الميدان الرقمي ما زال يفتقر إلى إطار تنظيمي يحمي الجمهور من الأخبار الكاذبة والمحتوى المضلل. هذا الوضع سمح بظهور فوضى إعلامية، حيث أصبح من السهل التلاعب بالمعلومات لصالح أجندات سياسية أو اقتصادية.


انتشار الأخبار الكاذبة في المغرب:

على سبيل المثال، شهد المغرب في السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا للأخبار الكاذبة، خصوصًا عبر منصات التواصل الاجتماعي. في حالات عديدة، تم استخدام هذه الأخبار لتأجيج الرأي العام حول قضايا حساسة. ومع غياب تنظيم صارم، يجد الجمهور صعوبة في التمييز بين الأخبار الحقيقية والزائفة.


التلاعب بالرأي العام: أداة بيد المؤثرين


مع تزايد شعبية المؤثرين، بدأت الحكومات والمنظمات تعتمد عليهم كوسيلة لترويج أفكارها أو تحقيق أهداف معينة. بعض المؤثرين أصبحوا صوتًا لأجندات سياسية أو اجتماعية، سواء بوعي منهم أو بدون وعي.


نماذج من التلاعب:

هناك قصص معروفة عن صناع محتوى في المغرب قاموا بنشر رسائل سياسية أو اجتماعية بطريقة غير مباشرة، ما جعل متابعيهم يتبنون آراء معينة دون إدراك أن تلك الرسائل قد تكون موجهة. هذه الظاهرة تثير قلقًا كبيرًا حول أخلاقيات صناعة المحتوى ومستقبل المصداقية الرقمية.


هل القوانين الصارمة هي الحل؟


في ظل هذا الوضع، بدأ الحديث عن ضرورة وضع قوانين تنظم صناعة المحتوى الرقمي. بعض الدول، مثل فرنسا وألمانيا، بدأت في تطبيق قوانين تلزم صناع المحتوى بالإفصاح عن الإعلانات التي يقدمونها والابتعاد عن نشر معلومات مضللة.


الوضع في المغرب:

أما في المغرب، فما زالت القوانين المرتبطة بصناعة المحتوى الرقمي محدودة وغير كافية للحد من الفوضى المنتشرة. ومع ذلك، هناك إشارات إيجابية على أن الحكومة بدأت تأخذ هذا الموضوع على محمل الجد، خصوصًا بعد الحوادث الأخيرة التي كشفت عن تأثير الأخبار الكاذبة على استقرار المجتمع.


مسؤولية الجمهور ووعي المجتمع


القوانين وحدها لا تكفي لتنظيم صناعة المحتوى. الجمهور نفسه يجب أن يكون أكثر وعيًا في اختيار مصادر معلوماته. من الضروري أن يتعلم الناس كيفية التحقق من الأخبار قبل تصديقها أو مشاركتها.


التعليم والإعلام الرقمي:

إدماج التعليم الرقمي في المدارس والجامعات يمكن أن يكون خطوة مهمة لتعزيز وعي المجتمع حول مخاطر الأخبار الكاذبة وأهمية التفكير النقدي. كما يجب تشجيع المبادرات التي تقدم محتوى رقميًا ذا جودة عالية، مثل المواقع الإخبارية الموثوقة التي تسعى لتقديم الحقائق بعيدًا عن الإثارة.


الخلاصة: صناعة المحتوى أداة قوية لكنها بحاجة إلى تنظيم


ختامًا، يمكن القول إن صناعة المحتوى أصبحت اليوم أداة قوية في تشكيل الرأي العام، لكنها سلاح ذو حدين. يمكن أن تكون وسيلة لنشر الوعي والتعليم، كما يمكن أن تكون وسيلة للتلاعب والتضليل. لضمان مستقبل أكثر مسؤولية وشفافية، لا بد من وضع معايير تنظيمية صارمة، إلى جانب تعزيز وعي الجمهور بالمخاطر والفرص التي تقدمها المنصات الرقمية.


شاركنا رأيك: هل تعتقد أن فرض القوانين الصارمة سيحد من الفوضى الرقمية؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين حرية التعبير والتنظيم؟


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق